تقديم المجزوءة الأولى: الوضع البشري

تقديم المجزوءة الأولى: الوضع البشري
تقديم المجزوءة الأولى: الوضع البشري

يخضع الوجود البشري لشروط ذاتية و موضوعية و تفاعلية لهذا فإنه يتسم بتعقده و صعوبة تحديده ،حيث أن مثل هذا التحديد يدل من ناحية على أن الوضع البشري خاضع لشروط تضفي عليه طابع الضرورة و الخضوع ،  من ناحية أخرى يدل على بعد خاص بالإنسان يتمثل في قدرته على المبادرة و التباعد.



       يتميز الوضع البشري والحالة هذه بالتعقيد والازدواجية: فالإنسان ككائن طبيعي يعيش داخل محيط يشرط حياته بالخضوع والإلزام. لكن في المقابل إن الإنسان، باعتباره شخصا، هو الكائن الوحيد القادر على التعالي على وضعه المشروط بسلسلة من الضرورات و الإلزامات. إنه الكائن الوحيد القادر على أن يختار مصيره ونمط وجوده في هذا العالم. ومن جهة أخرى يمكن الجزم بأنه لا يدرك وجوده إلا بالمشاركة والتعايش داخل المجموعة البشرية. إن الوجود البشري إذن وجود مبني على التفاعل: بين الذات ومحيطها، بين الذات والغير في إطار الجماعة البشرية، بين الذات وما تعيشه من أحداث عبر تاريخها.
        إذا نظرنا إلى الإنسان كشخص، فهل هو حر في اختيار مصيره ومستقبله أم أنه خاضع لحتميات تفرض عليه السير وفق مقتضيات ومستلزمات خارجة عن إرادته؟
و إذا نظرنا إلى الإنسان في علاقته بالغير، فكيف تتحدد نظرته إلى هذا الغير؟ هل يعتبره خصما وغريبا يقصيه وينبذه، أم صديقا وقريبا يقتسم معه إنسانيته؟ هل ينفتح عليه يؤمن بالاختلاف والمغايرة، أم ينغلق على ذاته يرفض الغير ويقصيه؟ هل يكون الغير ضروري لتكوين وعي بالذات؟
        وإذا نظرنا إلى الإنسان كصيرورة فردية وجماعية فهل لهاته السيرورة هدفا،هل تتوخى تحقيق التقدم مثلا؟ وإذا جعلنا من هاته السيرورة موضوعا لمعرفتنا التاريخية،فهل يمكن أن تكون هاته المعرفة موضوعية؟ أو بصيغة أخرى، هل هناك حد فاصل بين الذاتي والموضوعي في التاريخ؟ ما دور الإنسان في صنع الأحداث التاريخية وتوجيهها؟